هل تعرفون الأسطى "أشرف"؟ .. يقولون إنه أفضل نقاش في بر مصر .. وإن أنامله مرت فوق جدران كل بناء عظيم في البلد بما فيها الهرم الأكبر .. والأهم من هذا وذاك إن سوء الحظ فقط هو ما منعه من ممارسة كرة القدم.
مررت مؤخرا بتجربة مؤلمة للغاية عندما اضطررت للمشاركة في الإشراف على دهان حوائط شقة تملكها الأسرة .. وبعد عذاب نجحنا في الحصول على خدمات الأسطى أشرف الذي ترك عمله في "السفارة البريطانية" خصيصا ليقوم بدهان حوائط منزلنا.
اللقاء الأول مع الأسطى -الذي تم بعد تدخل وتوسط قيادات في الدولة- للاتفاق على العمل كان مذهلا، فالرجل مدح في قدراته لأنه "محترف حقيقي" وذم "أولاد الحرام" الذين أفسدوا الصنعة ولا يفهمون معنى الاحتراف الحقيقي ولم يقطع حديثه إلا استئذانه لأداء صلاة العصر لأنه "راجل بيعرف ربنا" و"يا بيه احنا بنشتغل لوجه الله".
وبالتعاقد مع الأسطى اتضح أنه لا يعمل إذا حصل على أجره مقدما ولا يتقن عمله إلا إذا كان تحت ضغط ويجلس في بيته إذا امتلأ جيبه بالنقود، ولا يمانع في العمل في عشرات الشقق في وقت واحد دون أن يهتم بتسليم أي منها في الوقت المحدد، وأن أشرف ليس وحده بل هناك العشرات من أبناء صنعته ممن يتسمون بذات الأسلوب بحسب ما رواه لي بعض أصدقائي المهندسين.
وبدون إطالة التي تعرفونها جميعا لا أدري لماذا تذكرت هذه التجربة مع متابعة أنباء بعض لاعبي الكرة في بلدنا والذين لا يختلف حالهم عن الأسطى أشرف في شيء.
خذ عندك مثلا الاختفاء الغامض لعمرو زكي الذي غضبنا جميعا بعدما وصفه ستيف بروس مدربه في ويجان بأسوأ محترف مصري على الإطلاق.
عمرو أطلق تصريحات مع نهاية العام الماضي يقول فيها إنه مازال يحلم بالاحتراف في أوروبا وإن عام 2009 كان الأسوأ بالنسبة له، وإن "كرة القدم ليست مجرد لعبة بل هي نظام اقتصادي استثماري متكامل يعتبر اللاعب فيه جزء وليس الكل كما يحدث هنا في المنطقة العربية" .. والكلام هنا من الموقع الرسمي لعمرو .. زكي طبعا وليس عمرو موسى كما قد يتخيل بعض السذج.
السودان تشهد نموا عمرانيا هائلا
طيب يا عم عمرو أما نشوف .. غياب لمدة أربعة أيام ثم اتصال بإبراهيم حسن وكلام عن ابنة مريضة .. هل يعقل هذا يا كابتن؟ سلامة ينتك ألف سلامة .. لا يوجد في مصر كلها من لا يتمنى أن يحفظها لك الله من كل سوء لكن أين حق النادي؟ ولماذا لم تبلغ الإدارة حتى تقف بجانبك على الأقل؟ وألا تدرك أن أنباء غيابك عن التدريب منشورة الآن بالإنجليزية في كل مواقع العالم؟
الغريب أن الأسطى أشرف أيضا كان يتحجج بمرض جميع أقاربه ويغلق هاتفه المحمول بأيام عدة قبل أن يعود متعللا بمرض خالته أو عمته.
أسطى البطولات
مثال آخر لا يقل فداحة وهو عصام الحضري، فبعد ما دفعه الإسماعيلي له من أموال وبعد ما خاطر مسئولو النادي للتعاقد معه رغم معاقبته من جانب الفيفا، اتصل اللاعب برئيس النادي وقال له "عفوا لقد نفذ رصيدكم" بعدما تلقى عرضا من المريخ السوداني وحجة الحارس أن الإسماعيلي ليس فريق بطولات واللاعبين ليس لديهم الطموح.
حجج غريبة يا حضري .. وهل كان سيون نادي بطولات؟ وهل تنتقل للمريخ من أجل إضافة لقب الدوري السوداني – مع كل التقدير للمسابقة- إلى تاريخك يا حارس بطل إفريقيا؟ وألا يتناقض هذا مع ثمرة المانجو التي جلبتها خصيصا إلى المؤتمر الصحفي أثناء تقديمك للجماهير في مطلع الموسم الجاري؟ وألم يكن الدراويش فريق بطولات عندما تسبب وجودك في ملازمة محمد صبحي لمقاعد البدلاء حتى كاد يغادر النادي؟
والغريب أن الحضري أول من يسجد لله شكرا عقب أي انتصار لمنتخب مصر وتلاحقه عدسات الكاميرا .. لكنه لا يضع في حسبانه أن احترام العقود وإتقان العمل والإخلاص له واجب ديني .. وهو يذكرني بالأسطى أشرف النقاش حينما ترك عمله لمدة ساعة كاملة بحجة أداء الصلاة التي لا تستغرق أكثر من خمس دقائق.
فارس بلا جواد
شحاتة اختياراته عشوائية
أما آخر مظاهر الكوميديا السوداء فهي تصريحات إبراهيم سعيد التي هاجم فيها شحاتة واتهمه بمجاملة بعض اللاعبين .. ولا أدري لماذا شعرت بأن سعيد الذي صفف شعره على طريقة قائد جيوش التتار خارج لتوه من معركة مع جنكيز خان تم تنفيذها في ليبيا ليجد نفسه داخل استديو تلفزيوني في القرن الـ21 فلم يجد ما يقوله سوى الهجوم لجذب انتباه بعض الجماهير بعدما دمر مسيرته مع سبق الإصرار والترصد .. والأسطى أشرف كان يبرر طرده من عدة مشروعات كبرى بسوء نية أصحاب العمل!
واللاعب المصري "صنايعي شاطر" يدلي بتصريحات لكل زبون حسب المزاج .. تصريحات نارية تضرب الجميع دون مواربة أو دبلوماسية ودون تفكير في معنى ما يقال ليتم نشر ما قيل، وما ان تتسبب هذه التصريحات في أزمة حتى يسارع اللاعب بتكذيب الصحفي والصحيفة أو الموقع فور نشرها.
ومن أبسط الأمثلة على ذلك تصريحات أحمد سمير فرج الأخيرة لـFilGoal.com التي أبدى فيها غضبه من استبعاده وزملائه من لاعبي الإسماعيلي من المنتخب ثم عاد لتكذيبها في التلفزيون، ليعود بعدها الموقع لينشرها بالفيديو.
وهذه الظاهرة ليس فرج المسئول عنها لأن غالبية اللاعبين المصريين يفعلونها للتنصل من آثار ما يقولونه، ففي واقعة فرج جاءت تصريحات اللاعب منطقية جدا، والإسماعيلي دوما ما يتعرض لظلم إعلامي، لكن تصريحاته نفسها كانت قاسية ولا يمكن الإدلاء بها إلا إذا أراد إنهاء علاقته بالجهاز الفني للمنتخب، وهذا يرجع لنقص الوعي.
وفرج ليس الأول بل فعلها من قبله هشام حنفي وعشرات من اللاعبين والإداريين ليتم توجيه الاتهام للإعلاميين .. والسؤال هو "هل كنتم في وعيكم حينما تدلون بتصريحات من هذه النوعية؟".
ومن نموذج فرج إلى مثال آخر للعشوائية في نادي حرس الحدود، ففيما توقع الجميع تفوق النادي حامل لقب كأس مصر هذا الموسم تفرغ عدد غير قليل من لاعبيه للتفاوض مع أندية أخرى (سبوبات ومرمات بحسب لغة الأسطى) لينتهي الأمر بالفريق في قاع الجدول بعدما كان مرشحا للفوز بالدوري.
وقدم طارق العشري مدرب الحدود استقالته بسبب لاعبيه وبعدما أعادته الإدارة إلى موقعه سمعناه جميعا في تصريحات تلفزيونية يطلب من لاعبيه الرحيل وقبوله لأي عرض لبيعهم حتى يضمن ولاء وتركيز من هم في قائمته، وقال الرجل الأسبوع الماضي "اتصلت بنفسي بعدلي القيعي لأعرض عليه أحمد عاصم ولأتأكد من عدم رغبة الأهلي في ضمه".
المشكلة الأساسية أن "اتحاد" المعمار هو أول المتهربين من مسئولياته
سبب الفوضى
باختصار اللاعب المصري يعاني من حالة تسيب غير عادية .. وهذا يرجع إلى عاملين أساسيين أولهما، تسليط الأضواء الإعلامية على أي لاعب انضم لفريق كبير والمبالغة غير العادية في مستواه وقدراته وتلقيبه بـ"النجم" فلان أو علان.
والسبب وراء ذلك قد يكون نفاقا للاعب لموافقته على الظهور في برنامج تلفزيوني فيدفع مقدم البرنامج ومخرجه للإسهاب في وصف قدراته الخارقة ويتكرر الأمر ذاته في الصحافة المكتوبة بالانحياز للاعب الذي يتحدث مع محرر الخبر ويدلي بتصريحات تساهم في صنع الأخبار، هذا بخلاف ثقافة "الكليشيهات" المنتشرة حاليا في الإعلام فكل اللاعبين صاروا نجوما وكل المعتزلين صاروا رموزا وخبراء، اما حينما يخفقون في مواضع المسئولية فهم فاشلون.
أما العامل الثاني هو غياب وسيلة علمية لتقييم اللاعب المصري فوسط الكم الهائل من البرامج التلفزيونية والإذاعية والصحف المطبوعة ومواقع الإنترنت المهتمة بكرة القدم لا يوجد أي جهة بما فيها الاتحاد المصري لكرة القدم تهتم بنشر إحصاءات اللاعبين مع نهاية كل موسم.
ومن المنطقي كما يحدث في الكثير من الألعاب وفي كثير من الدول المتقدمة كرويا صدور إحصاء سنوي يتضمن كل الأهداف التي سجلها أي لاعب وكم التمريرات الحاسمة أو الـassists التي صنعها كل لاعب وكم تسديدة أبعدها كل حارس وكم مباراة شارك المدافع أو الحارس فيها لتخرج شباك ناديه نظيفة، وكم إنذارا حصل عليه كل لاعب وكم مباراة خاضها كل موسم.
لو كان الاتحاد المصري مهتما بعمل قاعدة بيانات للاعبين لاكتشف الجميع ببساطة أن لاعبا مثل عمرو زكي لم يسجل طوال العام الماضي مع الأندية، ولما استيقظ الشعب المصري كل يوم على أزمة عدم احتساب إنذار أو طرد لأن المفروض أن يتم كل ذلك بصورة احصائية وآلية.
وللأسف الشديد الفوضى التي نعيشها لن تنتهي لأن "الأسطى أشرف" أقوى من الجميع ولأن "رابطة" كبار طائفته و"اتحاد" أبناء صنعته هما أول المتهربين من مسئولياتهم .. وطبعا منشغلون بـ"سبوبات" أخرى.