[center]
بقلم: د. حسين حسين شحاتة
الاستاذ بجامعة الازهر
يحتاج النصر إلى مقومات روحية ومعنوية وإلى مقومات مادية وبدنية، ويُطلق على الأولى "التوكل على الله"، ويُطلق على الثانية "الأخذ بالأسباب"، وهذا المنهج هو الذي طبَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته الدعوية والجهادية, ومن النماذج البارزة لذلك: نموذج الهجرة من مكة إلى المدينة، ونموذج غزوة بدر، ونموذج غزوة الأحزاب.. ونحو ذلك.
والنصر في دعوة الله عزَّ وجلَّ في ظلِّ التحديات المعاصرة له كذلك مقومات مستنبطة من القرآن والسنة والسيرة وسيرة الدعاة المجاهدين في سبيل الله, ومطلوب إبرازها وفهمها وتطبيقها، حول هذه المقومات تدور هذه الخاطرة.
المقومات الإيمانية للنصريُقصد بها القوة المعنوية الذاتية لمن يعمل في مجال الدعوة الإسلامية، ويجاهد من أجل جعل كلمة الله العليا، وتتمثل في الآتي:
- الإيمان الراسخ العميق بأن النَّصر من عند الله سبحانه وتعالى، وهذا يعطي المجاهد شحنةً قويةً وعزيمةً صلبةً وحماسًا وحميةً، مستشعرًا قول الله عزَّ وجلَّ:
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)﴾ (الأنفال)، وقوله سبحانه وتعالى:
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾ (الأنفال)، وقوله تبارك وتعالى:
﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ (محمد: من الآية4).
- الاستسلام التام لأوامر الله عزَّ وجلَّ بأنه لن يخذل عباده المؤمنين، فقد وعدهم بالنصر كما ورد في قوله عزَّ وجلَّ:
﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾ (الروم)، وقوله سبحانه وتعالى:
﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾ (آل عمران).
- اليقين التام بأن من مقومات النصر الالتزام بشرع الله عزَّ وجلَّ في جميع شئون الحياة، وتجنب الذنوب والمعاصي، ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾ (محمد).
- الإيمان الراسخ بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن الله سبحانه وتعالى ناصر دعوته بجنده المؤمنين، وهذا ما يمكن أن يُطلق عليه بالتعبئة المعنوية، مثل ما حدث في غزوة الأنفال، فقد قال جلَّ شأنه:
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾ (الأنفال).
- الإيمان بأن النصر قادم وعدم اليأس والقنوط وعدم الخشية من الأعداء، والنموذج العملي لذلك في غزوة الأحزاب، ولقد عبَّر الله عن ذلك بقوله:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَ (10)﴾ (الأحزاب) إلى قوله عزَّ وجلَّ:
﴿وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)﴾ (الأحزاب)، وقوله تبارك وتعالى:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾ (آل عمران).
- الدعاء والتضرع إلى الله عزَّ وجلَّ، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف وفي غزوة بدر، فما ورد من أدعية في هذا المقام: "
اللهم مُنْزِل الكتاب، ومجُرى السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم" (رواه البخاري)، "
اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم". (رواه أبو داود، والنسائي).