بقلم: حازم عبدالرحمن*
هذه القضية تحتاج إلي أقصي درجات الحياد في التعامل معها.. فقد أصبحت تشغل الرأي العام بقوة, والأهم من كل هذا أنها لم يكن لها أي داع أو مبرر.
المسألة باختصار.. هي قضية وفاة الشاب خالد سعيد ابن حي سيدي جابر بمدينة الإسكندرية.. محاضر الشرطة تقول إنه ابتلع لفافة بانجو لدي رؤيته لرجلي أمن داخل إحدي مقاهي النت, ولكن اللفافة انحشرت في حلقه, فمات مختنقا لاستحالة تنفسه, وهذه النتيجة هي التي خلص إليها تقرير طبي شرعي في الرواية الأمنية.
ولكن أهل الشاب يقولون حكاية أخري.. فيذكرون أنه كانت في حوزته صور فيديو عن أحد أقسام الشرطة, كان يجري فيها توزيع نقود عن عملية تهريب مخدرات.. وأن فردي الأمن اللذين وجداه داخل المقهي اقتاداه إلي خارجها وانهالا عليه ضربا بوحشية, ولما فارق الحياة في يديهما, ألقيا جثته في أحد المباني الخالية.
ولأننا في القرن الـ21, فلم يكن من السهل تجاهل اختراع الـفيس بوك.. فعلي إثر الحادث, امتلأت المواقع بروايات وصور ومعلومات, عن تاريخ حياة خالد سعيد وهذه المعلومات تقول إنه في الـ28 من العمر, ويظهر منها إنه حتي لو كان يتعامل مع المخدرات فهذا في حدود التعاطي ـ عرضا وليس إدمانا.. ثم ان هناك إجماعا علي كل مواقع الفيس بوك, أن ما جري لصاحبنا, ناتج عن ضربه بقسوة غير عادية في حفلة تعذيب تبدو في صور وجهه المتداولة علي المواقع.
وللأسف.. فإن البيانات الصادرة عن الشرطة حول الحادث, عجزت وفشلت في تقديم تفسير منطقي للحادث وما أسفر عنه من وفاة خالد.. فقد انصب اهتمام الشرطة علي تصوير خالد في صورة مسجل خطر أو بلطجي أو حشـاش أو هارب من التجنيد...الخ. وكل هذا لا يجيب عن سؤال: إذا افترضنا أن كل هذا صحيح.. فهل يجوز تصفيته؟!
2
لأجل هذا.. ظلت المواقع التي تنقل تفاصيل مختلفة للواقعة من وجهة نظر مخالفة لرواية الشرطة تتزايد باستمرار, وظلت المعلومات التي تتناقلها هذه المواقع أكثر قابلية للتصديق عن كل روايات الشرطة.. وكان من المفروض أن نجد عاقلا يسأل نفسه: لماذا يحدث ذلك؟.. إن كل هؤلاء لا يعرفون خالد, ولم يروه في حياتهم أبدا.. ولكنهم يؤيدون الرواية المتعاطفة معه والتي تبينه كإنسان لقي مصرعه في حفلة تعذيب للشرطة.. لماذا؟ لا يمكن أن نقول إن هؤلاء فعلوا ذلك لأنهم يكرهون الشرطة.. ولكن الأصح أنهم يفعلون ذلك لأن هذا في اعتقادهم هو الأقرب إلي الصدق والمنطق والواقع.. نتيجة تجارب تعاملاتهم مع الشرطة التي لا تتصف بالتسامح بل تميل إلي القسوة والعنف.
من هنا ظهر المبرر القوي لأن يقرر النائب العام عبدالمجيد محمود استخراج جثة الشاب من القبر في وجود أسرته ومدير نيابة الاستئناف, لكي يتم تشريحها.. وحرص النائب العام علي النص حصريا علي أن يتم التشريح أمام لجنة ثلاثية, لبيان سبب الوفاة, وهل توجد إصابات أو رضوض بالجثة, وما هو السبب المؤدي لمفارقة الحياة, والأداة المستخدمة في هذا الغرض.
3
وقد أثلج هذا البيان صدور الناس.. فهو يكشف عن أنه ليس هناك أحد فوق القانون, فالجميع في مصر سواء, ضابط الشرطة والأمين والجندي والخفير وانتهاء بأقل المواطنين شأنا.. الكل سواء بلا تفرقة.
نحن نرجو أن تسفر تحقيقات النائب العام عن ظهور الحقيقة.. فهذه هي الوسيلة الوحيدة لوضع حد لكل ما يتردد ليس فقط في منظمات حقوق الإنسان العالمية, أو حتي البيت الأبيض, ولكن الأهم هو هنا في مصر.. فمن حق الإنسان في مصر أن يطمئن علي سلامته وحياته وأمنه وعمره.. والخوف من أن يجد الإنسان نفسه ذات يوم مشئوم في نفس الموقف الذي وجد فيه الشاب خالد نفسه هو الذي يدفع أعدادا متزايدة من المصريين لزيارة موقع الـ فيس بوك إنها نوع من الاحتجاج والتمرد والصراخ بصوت عال ولأنها وسيلة الضعفاء ولكن ميزته الأساسية أنه عمل من أجل إظهار الحقيقة.. وتلك هي المهمة الأساسية للنائب العام.
نقلا عن صحيفة الاهرام