الفصل الأول : ما جاء من النقل العام
أولا ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 22 ص 342 ،343:( والأمر باستماع قراءة الإمام والإنصات له مذكور في القرآن وفي السنة الصحيحة وهو إجماع الأمة فيما زاد على الفاتحة وهو قول جماهير السلف من الصحابة وغيرهم في الفاتحة وغيرها وهو أحد قولي الشافعي واختاره طائفة من حذاق أصحابه كالرازي وأبى محمد بن عبد السلام فإن القراءة مع جهر الإمام منكر مخالف للكتاب والسنة وما كان عليه عامة الصحابة ولكن طائفة من أصحاب أحمد استحبوا للمأموم القراءة في سكتات الإمام ومنهم من استحب أن يقرأ بالفاتحة وإن جهر وهو اختيار جدي كما استحب ذلك طائفة منهم الأوزاعي وغيره واستحب بعضهم للإمام أن يسكت عقب الفاتحة ليقرأ من خلفه وأحمد لم يستحب هذا السكوت فإنه لا يستحب القراءة إذا جهر الإمام وبسط هذا له موضع آخر)
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 22 ص 294:( وأما القسم الرابع ( فهو مما تنازع العلماء فيه فأوجب أحدهم شيئا أو استحبه وحرمه الآخر والسنة لا تدل إلا على أحد القولين لم تسوغهما جميعا فهذا هو أشكل الأقسام الأربعة وأما الثلاثة المتقدمة فالسنة قد سوغت الأمرين وهذا مثل تنازعهم في قراءة الفاتحة خلف الإمام حال الجهر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال قيل ليس له أن يقرأ حال جهر الإمام إذا كان يسمع لا بالفاتحة ولا غيرها وهذا قول الجمهور من السلف والخلف وهذا مذهب مالك وأحمد وأبى حنيفة وغيرهم وأحد قولي الشافعي وقيل بل يجوز الأمران والقراءة أفضل ويروى هذا عن الأوزاعى وأهل الشام والليث بن سعد وهو اختيار طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم وقيل بل القراءة واجبة وهو القول الآخر للشافعي وقول الجمهور هو الصحيح فإن الله سبحانه قال وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون قال أحمد ( أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة وقد ثبت في الصحيح من حديث أبى موسى عن النبي أنه قال ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم فتلك بتلك ( الحديث إلى آخره وروى هذا اللفظ من حديث أبى هريرة أيضا وذكر مسلم أنه ثابت فقد أمر الله ورسوله بالإنصات للإمام إذا قرأ وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من جملة الإئتمام به فمن لم ينصت له لم يكن قد ائتم به ومعلوم أن الإمام يجهر لأجل المأموم ولهذا يؤمن المأموم على دعائه وإذا لم يستمع لقرائته ضاع جهره ومصلحة متابعة الإمام مقدمة على مصلحة ما يؤمر به المنفرد ألا ترى أنه لو أدرك الإمام في وتر من صلاته فعل كما يفعل فيتشهد عقيب الوتر ويسجد بعد التكبير إذا وجده ساجدا كل ذلك لأجل المتابعة فكيف لا يستمع لقراءته مع أنه بالاستماع يحصل له مصلحة القراءة فإن المستمع له مثل أجر القارىء ومما يبين هذا اتفاقهم كلهم على أنه لا يقرأ معه فيما زاد على الفاتحة إذا جهر فلولا أنه يحصل له أجر القراءة بإنصاته له لكانت قراءته لنفسه أفضل من استماعه للإمام وإذا كان يحصل له بالإنصات أجر القارىء لم يحتج إلى قراءته فلا يكون فيها منفعة بل فيها مضرة شغلته عن الاستماع المأمور به وقد تنازعوا إذا لم يسمع الإمام لكون الصلاة صلاة مخافتة أو لبعد المأموم أو طرشه أو نحو ذلك هل الأولى له أن يقرأ أو يسكت والصحيح أن الأولى له أن يقرأ في هذه المواضع لأنه لا يستمع قراءة يحصل له بها مقصود القراءة فإذا قرأ لنفسه حصل له أجر القراءة وإلا بقى ساكتا لا قارئا ولا مستمعا ومن سكت غير مستمع ولا قارىء في الصلاة لم يكن مأمورا بذلك ولا محمودا بل جميع أفعال الصلاة لا بد فيها من ذكر الله تعالى كالقراءة والتسبيح والدعاء أو الإستماع للذكر وإذا قيل بأن الإمام يحمل عنه فرض القراءة فقراءته لنفسه أكمل له وأنفع له وأصلح لقلبه وأرفع له عند ربه والإنصات لا يؤمر به حال الجهر فأما حال المخافتة فليس فيه صوت مسموع حتى ينصت له)0
تنبيه أول : مذهب الأئمة الزهري ومالك وعبد الله بن المبارك وأهل المدينة القراءة في الصلاة السرية وترك القراءة فيما جهر فيه الإمام وإن لم يسمع قراءة الإمام تكفيه قراءة الإمام إن لم يسمعهم صوته 0
وذهب الإمام الشافعي في الجديد إلى قراءة الفاتحة في الجهرية في سكتات الإمام 0
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله في عارضة الأحوذي
عجبا لك يا شافعي وإذا لم يسكت الإمام والأمة متفقة على أنه لا يجب على الإمام سكوت أينازع الإمام القرآن ) 0 قال الناصر : كلام أبو بكر بن العربي سقته بمعناه إن لم يكن نصا 0
وذهب أبو ثور إلى وجوب القراءة وإن لم يسكت الإمام 0
وذهب سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأبو حنيفة وأهل الكوفة إلى ترك القراءة جهر الإمام أو خافت 0
تنبيه ثان : السبب الذي جعلني لا أذكر مذهب الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هو اختلاف النقل عنهم فمن العلماء من نقل عنهم كمذهب أهل المدينة في ترك القراءة في الجهرية سمع قراءة الإمام أو لم يسمع وممن نقل عنه هذا محمد بن نصر المروزي في اختلاف الفقهاء ( أو اختلاف العلماء) وابن المنذر في الأوسط والخطابي في معالم السنن ونقله أيضا إبراهيم الحربي عن الإمام أحمد وذهب إليه ونقله عن إبراهيم الحربي أبو يعلى الموصلي و ابن مفلح في المقصد الأرشد في أصحاب الإمام أحمد 0
مع أن الإمام أحمد ومالك لا يذهبان إلى وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية قال كل من الإمام مالك وأحمد أنا أذهب إلى حديث جابر إلا وراء الإمام يريدان بذلك الأثر الموقوف عن جابر وهو صحيح موقوفا0
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد القراءة في السر والسكتات وقريبا منه نقله الترمذي في السنن0 لكن في سؤالات أبي داود للإمام أحمد قال أحمد يكفي في ركعة 0وقد نقل بعض العلماء هذا القول أيضا أعني القراءة في السر والسكتات عن إسحاق بن راهويه والله أعلم0
تنبيه ثان : ذهب الإمام أحمد والشافعي وأبي ثور إلى عدم وجوب القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين 0
نقله عنهم ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار 0 وكلام الإمام الشافعي رحمه الله موجود في الأم في باب القراءة في الأخيرتين فإنه سؤل تقرأ خلف الإمام في الركعة الثالثة من المغرب بأم القرآن تسر قال أحب ذلك وليس بواجب عليه 0
تنبيه ثالث ذهب العلامة ابن باز رحمة الله عليه إلى أن القراءة في الركعتين الأخيرتين خلف الإمام ليسا بركن مبطل للصلاة إذا نسيها المأموم0
وسيأتي مزيد إن شاء الله 0
تنبيه رابع : وممن ذهب مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في القراءة في السر والسكتتات وعدم القراءة حال الجهر ابن القيم والألباني رحمهم الله جميعا ولكن شيخ الإسلام لا يرى وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية والشيخ الألباني الثابت عنه بلا شك وجوب القراءة في السرية أما في السكتتات فقد قال في مختصر صفة الصلاة بالوجوب ولكن كلامه في الأصل مشعر بعدم الوجوب في السرية والله أعلم 0 أما ابن القيم فلم أقف على نص يبين مذهبه من حيث الوجوب خلف الإمام من عدمه والله أعلم
وذهب الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله إلى وجوب القراءة بفاتحة الكتاب على كل حال إلا أن الشيخ ابن باز رحمه الله قال في تحفة الإخوان إذا لم يقرأ المؤتم ناسيا أو جاهلا بالوجوب فلا شيء عليه وتجزئه قرائة الإمام عند جمهور العلماء 0
قال الناصر والذي تطمئن إليه نفسي هو مذهب أهل المدينة ومن ذكر معهم وبالله التوفيق 0