"الحروف الأبجدية والنخبة السياسية"
لقد أتاحت الثورة لملايين المصريين المشاركة في الحياة السياسية بعد أن كانوا في معزل تام عنها لعقود عديدة ، واعتقد البعض أن المصريين حديثي عهد بالسياسة وأنهم يجهلون أين هي مصلحتهم , فظهر العديد ممن تطوعوا للقيام بدور المعلم للشعب الجاهل من وجهة نظرهم , وقد أطلقوا على أنفسهم مسمى " النخبة " وانطلقوا في مضمار الإعلام بلا رفق ولا هوادة ينتقدون الآخرين ويهاجمون بعضهم البعض ويحللون المواقف والأشخاص ويتحدثون باسم الشعب , وكل منهم يستخدم طريقته الخاصة.
وقد ذكرني ذلك بالمدرسة وبتعليم الأطفال مبادئ اللغة و الحروف الأبجدية فقد كان يتم ربط الحروف عادة بأسماء بعض الحيوانات والفواكه المعروفة , فهذه هي الطريقة المثلى لتعليم اللغة للمبتدئين , وإذا أسقطنا هذه الطريقة على تعاطي تلك " النخبة " مع الوضع السياسي الراهن في مصر لوجدنا العجب العجاب . فتجد من تلك النخبة من يتعامل مع الناس بطريقة "" ألفٌ , أرنب "" فهو يتحدث بمنتهى البساطة والوضوح , و تجد من يشرح وجهة نظره بطريقة "" ألفٌ , أرنب بني اللون سريع الحركة "" وهم الثرثارون الذين يحمّلون المعنى أكثر مما يحتمل ويتكلمون فيما لا يضر ولا ينفع ويستهلكون طاقاتهم في التكرار الممل , وكذلك تجد من يقول رأيه بطريقة أخرى "" ألفٌ أكاذيب "" فقد ربط الحرف بكلمة سلبية تضر بالمعنى المطلوب وإن كان محقا في الربط , وهناك نوع رابع يستخدم طريقة "" ألفٌ إرد "" ويقصد بكلمة " إرد " "قرد" وهؤلاء هم المتلاعبون بالألفاظ ومحترفي الكلام والتأويل , يتتبعون الأخطاء بمجرد تشابه الحروف ويربطون الأمور بخيوط وهمية ويستنتجون من ربطهم هذا ما يوافق أهوائهم الشخصية ويخدم أهدافهم الغير معلنة.
وأنواع معلمي " النخبة " كثيرة ولكن يبقى منهم نوع غريب جدا فهو يحاول أن يعلم الناس بطريقة "" ألفٌ بطة "" إنهم الكاذبون , فهو يكذب ويقسم ويقاتل على أن كلامه صحيح وأنه يمتلك الأدلة والمستندات على صدقه وينسى أن كلمة بطة لا تحتوي أبدا على حرف الألف ولكنه اعتاد الكذب على الناس والطامة الكبرى انه يصدق نفسه.
هذا باختصار إن جاز لي الإسقاط والتشبيه حال النخبة معنا كل له طريقته و له أهدافه , منهم من يكون منهجه صحيحا وأهدافه سليمة ومنهم من يكون منهجه خاطئ وأهدافه سليمة وهؤلاء إن لم ينفعوا فضررهم قليل , ولكن وهناك فئة خطيرة منهجها صحيح وأهدافها خبيثة , تدس سمها في معسول الكلام وتستخدم قدرتها العجيبة على إقناع الناس بالباطل و لا يبقى سوى صنف أخير أحمق منهجه خاطئ وأهدافه خبيثة مثل أصحاب نظرية " ألف بطة " إنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
ووسط تلك المدرسة الفاشلة نسى أولئك المعلمون المختالون بأنفسهم , أن الشعب المصري متعلم بالفطرة , يمتلك الحكمة والفطنة ولا يحتاج إلى معلمين مستبدين يرون أنهم " نخبة المجتمع " ولكنهم " نكبة المجتمع " و يظنون أن دروبهم مقدسة وأفكارهم معصومة , المصريون لا يحتاجون إلى معلمين يتقاتلون كصبيان ينثرون التراب في وجوه بعضهم البعض و يغبرون به الهواء ويشوشون على رؤية الجميع , نحن لا نحتاج إلى كاذبون ولا مضللون , لا نحتاج إلى منابركم الفاسدة التي منحها لكم الإعلام الذي يقتات على مشاكلنا , نحن فعلا في غنى عنكم و لا نحتاج لكم ولا يهمنا ما لديكم من أفكار أو أراء , إننا نحتاج إلى قادة يأخذون بأيدينا إلى الأمام , نحتاج إلى من يعمل لأجل الوطن في هدوء , نحتاج إلى إعلام صادق يكون عينا للشعب تراقب مسيرة التقدم , تكرم المجتهد وتفضح الفاسد . نحن فعلا نحتاج إلى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ليكونوا في الصفوف الأولى في جبهة إنقاذ الوطن . لك الله يا مصر.
************
عمر عبدالحميد
************
لمتابعة الموضوع على موقع دلتا اليوم